الأحد، 16 فبراير 2014

قم فأنذر


زاد العقول والأرواح ( 7 )

{قم فأنذر}

أمران ربّانيان أُمر بهما نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، لتبدأ بهما مهمته الكبرى، ورسالته العظمى التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية: مهمة الدعوة والنذارة.
إنهما أمران لهما دلالات وتبعات، ولا سبيل إلى امتثالهما كما أراد الله إلا بتضحيات كثيرة، وتحمل أعباء جليلة، وقدرةٍ على تجاوز العقبات الشديدة.
إنهما أمران يحتاجان إلى عزيمة صادقة، وشجاعة دائمة، وهمة عالية.
وقد ورد هذان الأمران في ثاني السور نزولاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءا بعد تنبيه بنداء فريد: {يا أيها المدثر. قم فأنذر}.
تروي لنا كتب السنة والسيرة بأسانيد صحيحة أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَال- وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ – فَقَالَ [أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم] فِي حَدِيثِهِ: " بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ. [صحيح البخاري]

( إن هذا الأمر الرباني انتداب لهذا النبي- صلى الله عليه وسلم- للقيام بهذا الأمر الجلل الذي لا بد له من ترك النوم والتدثر والدفء، والنهوض إلى الدعوة والجهاد والكفاح والمشقة: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ»...
إنه أمر بالقيام بهذا الأمر العظيم الثقيل.. نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان..
وهو واجب ثقيل شاق، لأنه يؤدي إلى مواجهة ما تعودت عليه النفس البشرية من الضلال والعصيان والتمرد والعتو والعناد.
والإنذار هو الإعلام مع التخويف، ويتضمن التحذير من خطر قريب يترصد للغافلين السادرين في الضلال وهم لا يشعرون.
وبعد هذين الأمرين علم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه لم يعد هناك نوم! وأن هنالك تكليفا ثقيلا، وجهادا طويلا، وأنه الصحو والكد والجهد منذ ذلك النداء الذي يلاحقه ولا يدعه ينام!
قيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قم» .. فقام، وظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما! لم يسترح. ولم يسكن. ولم يعش لنفسه ولا لأهله.
قام وظل قائما على دعوة الناس إلى الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.) [ما بين القوسين مقتبس من كتاب: "في ظلال القرآن"].

وخلاصة هذين الأمرين ومقصودهما: القيام بالدعوة إلى الله تعالى على أكمل وجه؛ ففي "قم" دلالة على التهيئ والجد والنشاط، لأن من اهتم بشيء قام إليه واهتم به.
وفي الفعل "أنذر" دلالة على الحرص على الناس، وتخويفهم مما يضرهم ويؤدي بهم إلى التهلكة والشقاء.
فالدعوة إلى الله: جد ونشاط، وحرص وبذل وتضحية.
الدعوة إلى الله: لا يقوم بها إلا أصحاب النفوس الكبيرة الكريمة، الذين يهتمون بأمر الناس، ويحرصون على مصالحهم وما فيه نفعهم، ويخافون عليهم مما يُعنِتُهم ويشق عليه ويهلكهم.
الدعوة إلى الله – كما أنها بذل وعطاء -؛ فهي تربية للنفس وبناء لها وارتقاء بها؛ فليس هناك وسيلة تبنيك وترتقي بك وتجعلك تحلق عاليا في أفق المكارم والفضائل كالدعوة إلى الله بصدق وحرص وإخلاص.
فما أعظمها من مهمة، وما أشرفها من وظيفة، وما أجلها من رسالة؛ ويكفي أنها مهمة الرسل الكرام ووظيفتهم ورسالتهم إلى الناس.
{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله}؟. لا أحد – واللهِ – أحسن قولا منه.
وختاماً؛ خذوا هذه القاعدة، واحفظوها، وعُوها:
"لَا يكون من أَتبَاع الرَّسُول على الْحَقِيقَة إِلَّا من دَعَا إِلَى الله على بَصِيرَة". [ ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام ابن قيم الجوزية].
 
همسة في أذن كل معلم ومربي!
تعليمك لطلابك ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتحذيرك لهم مما يضرهم يدخل في الدعوة إلى الله؛ فأخلص وأنذر.
وقيامك بالشرح والتعليم "واقفاً" دليل على حرصك واهتمامك؛ فقم، واقترب من طلابك، وأشعرهم بحرصك واهتمامك.

ليست هناك تعليقات:

نوع التعليق المطلوب

Disqus إدخال إسم المستخدم