الثلاثاء، 4 فبراير 2014

زاد العقول والأرواح (4 ):

{فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين}

مع أن هذه الآية من أشد الآيات تخويفا لمن تدبرها، إلا أن من أهم ما لفت انتباهي وأثار دهشتي فيها= ما ختمت به من التوجيه الصريح والتوكيد الواضح، وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو والصفح عن قوم بلغوا هذا المبلغ من السوء والخيانة، وبيان أن ذلك من الإحسان والله يحب المحسنين.
ولا أريد أن أتعرض هنا لما قيل في هذا التوجيه، وهل هو محكم أو منسوخ؟.
وإنما المقصود هو فقه هذا التوجيه الكريم، والتنبيه على أن ما تضمنه من الأمر بالعفو والصفح عن هؤلاء الذين ذمّهم الله ووصفهم بأقبح الصفات من القسوة والتحريف والخيانة= هو الذي لا يسع من أراد الاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلا الامتثال له والحرص على تربية النفس على التخلق به، ولو كان ذلك شديدا على النفس البشرية.

وأولى الناس بامتثال هذا التوجيه هم الدعاة وحملة العلم وأهل الجهاد؛ فإن من لم ينتصر على نفسه ليس أهلا للنصر ولا للتمكين.
ومن أشغل نفسه بطلب ما يدّعي أنه حق لها من الانتصار والانتقام ممن أساء إليه فلا يستحق أن يكون إماما للمتقين ولا وليا من أولياء الله الصالحين.

فانتبهوا لذلك أيها المصلحون، واعلموا أن طريق النصر والتمكين يبدأ من التخلق بهذا الخلق العظيم. 
وتأملوا ما قاله الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية؛ قال:
( {فاعف عنهم واصفح} وهذا هو عين النصر والظفر ، كما قال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه .
وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ، ولعل الله أن يهديهم ; ولهذا قال تعالى: {إن الله يحب المحسنين } يعني به : الصفح عمن أساء إليك .).

"هذا هو عين النصر والظفر" وصدق رحمه الله.

ومن أراد معرفة العلاقة الوثيقة بين العفو والإحسان وبين النصر والتمكين؛ فليقرأ سورة يوسف، وليتدبر ما الصفات التي أهلت يوسف عليه السلام لبلوغ مرتبة التمكين الكامل في الأرض.

ويا لروعة هذه الكلمة النبوية:
"وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا".

اللهم أعزنا بطاعتك وامتثال أمرك يا عزيز يا كريم.

ليست هناك تعليقات:

نوع التعليق المطلوب

Disqus إدخال إسم المستخدم