الاثنين، 17 فبراير 2014

قل هذه سبيلي

زاد العقول والأرواح ( 8 )

{ قل هذه سبيلي }

اعلم - يا صاحب الرسالة، ويا من يحمل همّ دينه وأمته - أنه لا نجاح في مشرع حتى يكون شغلك الشاغل، وقضيتك التي تهتم بها في كل حين.
إنه الانقطاع الكلي لمشروعك: مشروعك الدعوي، التربوي، العلمي.
تأمل قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله..}
هذه الدعوة سبيلي وطريقي وشغلي.. 

الدكتور عبدالرحمن السميط - رحمه الله - نموذج معاصر للناجحين نجاحاً باهراً في مشروعاتهم الدعوية؛ يتحدَّث عن عمَلِه، ويعرفنا سرَّ التفوُّق في مشروع عمره، فيقول عن نفسه: "أنا ما عندي تلفاز، أنا أقدر أن آتي به، لكن أنا رفضتُ أن أشتري تلفازًا، ولا راديو، ولا جرائد، أنا أريد أن أعيش لهؤلاء فقط، ما عندي همٌّ غير هؤلاء".

الجملة الأخيرة هي سرُّ نجاحه؛ فالانقطاع في العمل الدعويِّ والتربوي والعلمي يجعل فِكْر الداعية والمربي  وطالب العلم واهتمامَه ونظرته تتَّحِد إلى جزءٍ محدَّد، يركِّز فيه عملَه وتطويره، ويعيشه في كلِّ لحظة، وهذا الشعور يجعلنا نفهم قول عمر بنِ الخطاب - رضي الله عنه -: "إنِّي لأجهِّز الجيوش وأنا في الصَّلاة".

ويبيّن هذا ويوضحه ما قاله أبو الأعلى المودودي في رسالته تذكرة دعاة الإسلام ص٢٤ :
(إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة، تكون في ضرامها على الأقل مثل النار التي في قلب أحدكم عندما يجد ابنا له مريضا فلا يدعه حتى يجره إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئا يسد به رمق حياة أولاده فتضطره إلى بذل الجهد والسعي.

وعليكم ألا تنفقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقل ما يمكن من أوقاتكم وجهودكم؛ فيكون معظمها منصرفا لما اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة.

وهذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهانكم ملتحمة مع أرواحكم ودمائكم آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم؛ فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنا بمجرد أقوالكم.) انتهى بتصرف.

وهذا لأن شأن الدعوة شأن العلم، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك.

فليتنبه لذلك كل داعية مصلح، وكل مرّب مخلص، وكل طالب علم جاد.

ومن الكتب التي تفيد في شحذ الهمة حول هذه القضية كتاب "يا صاحب الرسالة" للدكتور خالد أبو شادي
وقد وجّه مؤلفه هتاف البداية إلى صاحب الرسالة بقوله:

هذه رسالتي إليك إن كان عزمك قد وهن وعهدك قد نُسي..
هذه وصيتي:
لمن زار الفتور روحه، وانخفضت درجة حرارة قلبه وتعرض لوعكة روحية طارئة أو مزمنة.
ولمن توالت عليه المسؤوليات فاضطربت عنده الأولويات؛ فجعل الدنيا ومشتقاتها على رأس القائمة، والآخرةَ في المؤخرة!!. 

الأحد، 16 فبراير 2014

قم فأنذر


زاد العقول والأرواح ( 7 )

{قم فأنذر}

أمران ربّانيان أُمر بهما نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، لتبدأ بهما مهمته الكبرى، ورسالته العظمى التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية: مهمة الدعوة والنذارة.
إنهما أمران لهما دلالات وتبعات، ولا سبيل إلى امتثالهما كما أراد الله إلا بتضحيات كثيرة، وتحمل أعباء جليلة، وقدرةٍ على تجاوز العقبات الشديدة.
إنهما أمران يحتاجان إلى عزيمة صادقة، وشجاعة دائمة، وهمة عالية.
وقد ورد هذان الأمران في ثاني السور نزولاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءا بعد تنبيه بنداء فريد: {يا أيها المدثر. قم فأنذر}.
تروي لنا كتب السنة والسيرة بأسانيد صحيحة أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَال- وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ – فَقَالَ [أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم] فِي حَدِيثِهِ: " بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ. [صحيح البخاري]

( إن هذا الأمر الرباني انتداب لهذا النبي- صلى الله عليه وسلم- للقيام بهذا الأمر الجلل الذي لا بد له من ترك النوم والتدثر والدفء، والنهوض إلى الدعوة والجهاد والكفاح والمشقة: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ»...
إنه أمر بالقيام بهذا الأمر العظيم الثقيل.. نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان..
وهو واجب ثقيل شاق، لأنه يؤدي إلى مواجهة ما تعودت عليه النفس البشرية من الضلال والعصيان والتمرد والعتو والعناد.
والإنذار هو الإعلام مع التخويف، ويتضمن التحذير من خطر قريب يترصد للغافلين السادرين في الضلال وهم لا يشعرون.
وبعد هذين الأمرين علم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه لم يعد هناك نوم! وأن هنالك تكليفا ثقيلا، وجهادا طويلا، وأنه الصحو والكد والجهد منذ ذلك النداء الذي يلاحقه ولا يدعه ينام!
قيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- «قم» .. فقام، وظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما! لم يسترح. ولم يسكن. ولم يعش لنفسه ولا لأهله.
قام وظل قائما على دعوة الناس إلى الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.) [ما بين القوسين مقتبس من كتاب: "في ظلال القرآن"].

وخلاصة هذين الأمرين ومقصودهما: القيام بالدعوة إلى الله تعالى على أكمل وجه؛ ففي "قم" دلالة على التهيئ والجد والنشاط، لأن من اهتم بشيء قام إليه واهتم به.
وفي الفعل "أنذر" دلالة على الحرص على الناس، وتخويفهم مما يضرهم ويؤدي بهم إلى التهلكة والشقاء.
فالدعوة إلى الله: جد ونشاط، وحرص وبذل وتضحية.
الدعوة إلى الله: لا يقوم بها إلا أصحاب النفوس الكبيرة الكريمة، الذين يهتمون بأمر الناس، ويحرصون على مصالحهم وما فيه نفعهم، ويخافون عليهم مما يُعنِتُهم ويشق عليه ويهلكهم.
الدعوة إلى الله – كما أنها بذل وعطاء -؛ فهي تربية للنفس وبناء لها وارتقاء بها؛ فليس هناك وسيلة تبنيك وترتقي بك وتجعلك تحلق عاليا في أفق المكارم والفضائل كالدعوة إلى الله بصدق وحرص وإخلاص.
فما أعظمها من مهمة، وما أشرفها من وظيفة، وما أجلها من رسالة؛ ويكفي أنها مهمة الرسل الكرام ووظيفتهم ورسالتهم إلى الناس.
{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله}؟. لا أحد – واللهِ – أحسن قولا منه.
وختاماً؛ خذوا هذه القاعدة، واحفظوها، وعُوها:
"لَا يكون من أَتبَاع الرَّسُول على الْحَقِيقَة إِلَّا من دَعَا إِلَى الله على بَصِيرَة". [ ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام ابن قيم الجوزية].
 
همسة في أذن كل معلم ومربي!
تعليمك لطلابك ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتحذيرك لهم مما يضرهم يدخل في الدعوة إلى الله؛ فأخلص وأنذر.
وقيامك بالشرح والتعليم "واقفاً" دليل على حرصك واهتمامك؛ فقم، واقترب من طلابك، وأشعرهم بحرصك واهتمامك.

لولا الحياء منك لقبلتك

في سير أعلام النبلاء في ترجمة الإمام أبي إسحاق السبيعي:

حدثنا أحمد بن عمران، حدثنا ابن فضيل، حدثني أبي، قال:
أتيت أبا إسحاق بعد ما كف بصره، قال: قلت: تعرفني؟
قال: فضيل؟
قلت: نعم.
قال: إني -والله- أحبك، لولا الحياء منك، لقبلتك.

قال: حدثني أبو الأحوص، عن عبد الله: {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم} [الأنفال: ٦٣]: نزلت في المتحابين.



الثلاثاء، 11 فبراير 2014

نداء للدعاة

أيها الدعاة!
اتقوا الله في حوائج المسلمين

إذا كان هناك من المسلمين من نتألم لجوع بطنه، وبرد جسده، وسوء معيشته؛ فإن جموع المسلمين اليوم لتحتاج إلى زاد أعظم، وكساء أهم ألا وهما تقوى الله العظيم وخشيته {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر}.
وإن هذا هو الدور الحقيقي الذي يتعين على الداعية أن يقوم به في هذه الأيام، أن يمضي إلى الغافلين الذين فتت الجوع إلى خشية الله أكبادهم، ولذع برد المعاصي قلوبهم، فيلبسهم كساء التقوى عبر كلماته القلبية المشفقة، ويطعمهم زاد الخشية خلال مجالسه الإيمانية الصادقة، فيُعذر بذلك عند رب جليل يقول في محكم التنزيل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 92 ـ 94].

الاثنين، 10 فبراير 2014

الزم المسجد يا طالب العلم

وصية مجرب لطلبة العلم

من الوصايا لطلاب العلم في سني الطلب أن يلزموا المساجد ويعمروها، ويكثروا من البقاء فيها، ويجعلوا كثيرا من برامج الحفظ والمراجعة والقراءة فيها.
 كم أتمنى أن أجد في كل مسجد من مساجدنا كوكبة من طلبة العلم قد لزموه ليل نهار، وهذا هدي كثير من العلماء السابقين، وجملة ممن عرفنا من شيوخنا المعاصرين.
وقد جربت ذلك مع بعض الرفاق فكانت ألذ أيام قضيناها في طريق الطلب.
ولهذا مكاسب كثيرة، منها: الحفاظ على الوقت، وجمعية القلب، والبعد عن مشغلات الدنيا، وتنزل السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده، وتحل البركة في وقتهم، وتصفوا أذهانهم للقراءة والحفظ، وتصلي عليهم الملائكة، ويسلكوا جادة العلماء الذين تخرجوا من المساجد وخالط حبها سويداء قلوبهم فزكت قلوبهم وكثرت عباداتهم. 
فيا طلبة العلم الزموا المساجد؛ وستجدون من الخيرات والبركات فوق ماقد ذكرت. ومن جرب عرف.
 وفقكم الله لكل خير.

الشيخ أحمد الصقعوب فكّ الله أسره وعجل له بالفرج

ربع ساعة فقط


ربع ساعة فقط

فكرة تبني وتهدي

خصص ربع ساعة يومياً لقراءة صفحة واحدة إما من :
القرآن الكريم أو  كتاب من كتب السنة [رياض الصالحين أو مختصر صحيح مسلم أو كتاب آخر من كتب السنة]

ثم اكتب فائدة بأسلوبك تستنبطها من آية أو حديث، ثم تأكد من صحة ما كتبت بالرجوع إلى مصدر موثوق أو طالب علم ثقة.

واحرص بعد ذلك على نشر ما كتبت برسالة عن طريق وسائل التواصل المتعددة.



ثق تماماً أن تطبيقك لهذه الفكرة بإخلاص ستغير حياتك وتنفعك في الدنيا والآخرة.


وإليك مثال تطبيقي:

1- من القرآن: 

قرأتُ سورة النازعات بتأمل، واستغرق ذلك نحو ست دقائق
ثم أعدت النظر فيها حوالي ثلاث دقائق
ثم كتبت الفائدة التالية: 
(من خاف مقام ربه حقاً فلن يطغى
ومن نهى نفسه عن الهوى فلن يكون ممن يؤثر الحياة الدنيا.
فالخوف من الله، وعدم اتباع الهوى طريق جنة المأوى.)

2- من السنة: 

قرأتُ الآن حديثا في صحيح مسلم، وهذا نصه:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا «يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَحْنِي ظَهْرَهُ، حَتَّى يَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَخِرُّ مَنْ وَرَاءَهُ سُجَّدًا»

ثم تأملته، وكتبت هذه الفائدة:
( من الأخطاء الذي يقع فيها كثير من المأموين: الخرور للسجود قبل أن يسجد الإمام ويضع جبهته على الأرض. وهذا مخالف للسنة ولما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما دلّ على ذلك حديث البراء في صحيح مسلم. فلا تحنِ ظهرك حتى تتأكد من سجود الإمام بأن يضع جبهته على الأرض. )


خاتمة: لو حرصنا على تطبيق هذه الفكرة، لكنا ممتثلين لأمر نبينا صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" ، ولانتشر العلم بين الناس وظهرت السنن. 

أسأل الله أن يوفقنا لفعل الخيرات ونشر العلم ونفع الناس.





الأحد، 9 فبراير 2014

وصية الخطيب البغدادي لطالب العلم


وصية مهمة، وموعظة بليغة قالها الخطيب البغدادي؛ فاقرأها وتأملها بقلبك


قال رحمه الله: (وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا؟!

وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي، والرضى بالميسور، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟!

وهل جامعُ كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب ؟! 

وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما ؟!

وهل المغرم بحبها إلا ككانزها؟! 

وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها؛ كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها.

فلينظر امرؤ لنفسه، وليغتنم وقته؛ فإن الثواء قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، والله تعالى بالمرصاد، وإليه المرجع والمعاد {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. ) انتهى

اقتضاء العلم العمل ص15-16.

السبت، 8 فبراير 2014

قاعدة الخمس دقائق


قاعدة الـ ( خمس دقائق ) ... جربها


من جميل ما وجدته في محفوظات ملاحظاتي من غير ذكر لمصدره:


تأملتُ في الكثير من أعمالنا ... في عباداتنا ... في واجباتنا ... في أذكارنا ... في قراءاتنا ... في مواعيدنا ...

في زياراتنا ... في تأخيرنا لبعض الأعمال الهامة ... ونحو ذلك ..

فوجدت أن أكثرها ... لايتجاوز تنفيذه والعمل به ... أكثر من خمس دقائق ...

فاستفدت من قاعدة لطيفة مناسبة ... سماها من أطلقها :


قاعدة : الـ ( 5 ) دقائق .


تقول هذه القاعدة :

"إن بإمكانك أن تقوم بالكثير من الأعمال الهامة ، والمهمة ، والأقل أهمية ... في وقت لايزيد عن ( 5 ) دقائق ".


فإن خذّلك الشيطان ... أو ثبّطتك النفس الأمارة بالسوء ... أو أقعدك الهوى ... أو أعجزك الكسل ...

فقل لنفسك مباشرة :

"فقط ( 5 ) دقائق"


بيان :

هذه القاعدة لا تعني الاقتصار على أداء العمل في هذا الوقت فقط ...

ولكنها حركة ذكية لترويض النفس ، والمبادرة إلى الطاعات ، وإنجاز الأعمال والمتأخرات..


مثال :

- بادر إلى الصلاة قبل الأذان أو عنده ... وقل: (فقط خمس دقائق)، لتترك ما أنت فيه أو عليه.

- عند توقيت الساعة على أمر معين "للصلاة أو غيرها" فوقّت المنبه على أن يكون قبل الوقت، وقل: (فقط خمس دقائق)، وهذه الخمس لن تفيد في النوم أو التأجيل.

- إن عَجلتَ في الخروج من المسجد ... فقل: (فقط خمس دقائق) ثم اجلس للتلاوة أو الذكر.

- إن كسلت عن قراءة كتاب الله ... فبادر للقراءة الآن، وقل: (فقط خمس دقائق).

- إن أعجزك الشيطان عن ذكر الأذكار الشرعية، فقل: (فقط خمس دقائق) ثم بادر لقولها.

- إن مللت من قراءة كتب أهل العلم ... فتَخَول نفسك، وقل لها: (فقط خمس دقائق).

- إن أكثرت من تأجيل عمل معين ... فبادر له الآن، وقل: ( فقط خمس دقائق ) وأنتهي منه.

- إن احتاج بيتك أو مكتبتك أو سيارتك للترتيب والتنظيم ... فبادر الآن، وقل: ( فقط خمس دقائق ) ثم ابدأ بالعمل.

- إن التزمت بموعد معين، فاحرص على أن تبكّر إليه، وقل: (فقط خمس دقائق).

- إن لاحظت أنك تسرع في قيادة السيارة، فقل: (فقط خمس دقائق)، وهو الوقت بين القيادة بسرعة أو القيادة الهادئة - غالبا -.

- عند تأجيلك لزيارة من تجب عليك زيارته، ثم أتاك مايشغلك مما هو أقل أهمية، ونفسك ترغبه، فقل لها: ( فقط خمس دقائق ) ، ثم بادر للزيارة.

- وعند إحساسك بالتقصير في حق أقاربك، فأمسك الهاتف الآن، واتصل عليهم، وقل : ( فقط خمس دقائق)، -وقت الاتصالات غالبا-.

- عند شعورك بالسمنة، وأنه يجب عليك التحكم في الأكل، فقل: (فقط خمس دقائق) ثم تقوم من المائدة.


إن لم تعجبك قاعدة : الـ ( خمس دقائق )... فقل: لا يضر ... قضيتُ ( فقط خمس دقائق ) لقراءتها.


واسجد واقترب


زاد العقول والأرواح ( 6 ):


"واسجد واقترب"

كان الحديث في المقال السابق ضمن هذه السلسلة عن قول الله تعالى: { اقرأ باسم ربك}.
وهو أول أمر نزل به جبريل الأمين على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
وهو ما افتتحت به سورة العلق.
والعجيب أن هذه السورة بدأت بالأمر بالقراءة، وختمت بالأمر بالسجود والاقتراب من الله تعالى، وذلك في قوله جل ذكره: { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].

فالعلم النافع يبدأ بالتعلم والقراءة، وينتهي بالسجود لله تعالى والاقتراب منه، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد له.
فمن لم توصله قراءته إلى السجود لله، ولم يقرّبه علمه من ربه جلّ في علاه؛ فليعلم أن علمه ليس بنافع، وأن قراءته ليست على منهج الله.

العلم النافع والعمل الصالح متلازمان لا ينفكان، فلا علم في الإسلام بلا عبادة وعمل صالح، ولا عبادة ولا عملاً صالحاً بلا علم. فاعلم ذلك يا طالب العلم.
ومعلوم أن السجود لله تعالى هو غاية الذل والخضوع لله جل وعلا، حيث يضع العبد وجهه الذي هو أشرف أعضائه على الأرض التي توطؤ بالأقدام، وذلك تعبيراً عن كمال الذل والخضوع والعبودية لله تعالى، ولذلك كان السجود عبادة جليلة عظيمة لا تجوز إلا لله، ولا تكون إلا لله.
ومن هنا يؤخذ أن العالم الحق هو من قاده علمه إلى الخضوع لله، والتواضع لعباد الله. فإذا رأيت من يدّعي العلم وهو متكبر جبار؛ فاحكم عليه بالجهل المركب، ولا تتردد. فالتواضع ثمرة العلم، والكبر نتيجة الجهل.

وإذا أردت أن تتعرف على مثالٍ بيّن للجهل فعليك بقراءة ما ورد في وسط السورة – بين الأمر بالقراءة والأمر بالسجود والاقتراب -؛ فأبو جهل طغى وتكبر، ونهى عبداً أراد السجود والصلاة، وكّذب وتولى، فحُكم عليه بالجهل، فلا يعرف إلا بهذه الكنية المخزية، وتوعده الله بأن يأخذه أخذا شديداً بناصيته ليلقى في نار حامية. {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى . إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى . أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى . أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى . أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى . كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ . نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ . فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [العلق: 6 - 18]

ولا يخفى أن من سجد لله فقد أعلن الاستجابة لله، وتبرأ من الكبر والإعراض عن أوامر الله، وخالف بفعله وحاله الشيطانَ الرجيم، الذي أُمر بالسجود فأبى واستكبر، فكان من الكافرين المستحقين للنار – عياذا بالله -. ولذلك يبكي الشيطان كلما سجد الإنسان المسلم، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ - وَفِي رِوَايَةِ: يَا وَيْلِي - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ ".

فما أعظم السجود لله! وما أحسن الاقتراب من الله! ويا لسعادة من وفقه الله لتلك العبادة، فأكثر من السجود وأطاله!
ووالله إن لحظات السجود لله لهي أجمل اللحظات في هذه الدنيا؛ فيا لحرمان من حرمها!!
في صحيح مسلم عن مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ، قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ.
وفيه عن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وكثرة السجود لك يا أرحم الراحمين.

الخميس، 6 فبراير 2014

أهمية التصنيف والكتابة

التصنيف المفيد 

قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر: (  رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة؛ لأني أشافه في عمري عددًا من المتعلمين، وأشافه بتصنيفي خلقًا لا تحصى ما خلقوا بعد، ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم.
فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف المفيد؛ فإنه ليس كل من صنف صنف، وليس المقصود جمع شيء كيف كان، وإنما هي أسرار يطلع الله -عز وجل- عليها من شاء من عباده، ويوفقه لكشفها، فيجمع ما فرق، أو يرتب ما شتت، أو يشرح ما أهمل، هذا هو التصنيف المفيد.
وينبغي اغتنام التصنيف في وسط العمر؛ لأن أوائل العمر زمن الطلب، وآخره كلال الحواس. وربما خان الفهم والعقل من قدر عمره؛ وإنما يكون التقدير على العادات الغالبة؛ لأنه لا يعلم الغيب. فيكون زمان الطلب والحفظ والتشاغل إلى الأربعين.
ثم يبتدئ بعد الأربعين بالتصانيف والتعليم، هذا إذا كان قد بلغ مع ما يريد من الجمع والحفظ، وأعين على تحصيل المطالب. )

بين ابن الجوزي والسعدي في استغلال الوقت

 أحسن ابن الجوزي في حرصه على وقته، لكنه ترك ما هو أحسن له عند ربه!

كنت قد قرأت كما قرأ غيري ما كان يفعله الإمام ابن الجوزي عندما يزوره العامة وأهل البطالة من استغلاله لوقت زيارتهم في بري الأقلام وترتيب الأوراق، لأجل أن يحافظ على وقته.
قال رحمه الله: ( أعوذ بالله من صحبة البطالين! لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس، وما لا يعني، وما يتخلله غيبة!
وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور، وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. 
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك، وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم، وقعت وحشة، لموضع قطع المألوف! وإن تقبلته منهم، ضاع الزمان! فصرت أدافع اللقاء جهدي: فإذا غلبت، قصرت في الكلام، لأتعجل الفراق.
ثم أعددت أعمالًا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلت من المستعد للقائهم: قطع الكاغد، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر، وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي. نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه.) انتهى من صيد الخاطر.

ولا شك أن تصرفه هذا مما يُعجبُ من قرأه أول مرة، ويُعَدُّ في مناقب هذا الإمام الحريص على وقته أشد الحرص.

ثم وجدت كلاما للعلامة عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - أشار فيه إلى حسن صنيع ابن الجوزي وغيره ممن يفعل مثله، ثم نبّه على أن هناك طريقة أحسن نفعا وأكثر ثوابا وأجرا، وإليكم نص كلامه:

(( سبحان من فاوت بين أهل اليقظة في قوة السير وضعفه، وفي استغراق جميع الأوقات في العبادة وعدمه، منهم من يكون سيره مستقيما في ليله ونهاره، ومع ذلك يتخير من الأعمال أفضلها وأكملها، ولا ينزل من فاضلها إلى مفضولها إلا لمصلحة تقترن بالمفضول توجب أن يساوي العمل الفاضل ويزيد عليه، وقد يكون المباح في حق هذا عبادة لكمال إخلاصه، ونيتُه بذلك المباح أن يجم به نفسه ويتقوى به على الخير، فتراه يتنقل في مقامات العبودية في كل وقت بما يناسبه ويليق به، لا فرق عنده بين العبادة المتعلقة بحقوق الله المحضة، وبين العبادة المتعلقة بحقوق الخلق على اختلاف مراتبهم وأحوالهم . 

ولقد ذكرت في هذا المقام كلاماً لبعض الشيوخ لما رأى كثرة المجتمعين ببعض أصحابه قال مؤدباً لهم مقوماً :يا مناخ البطالين. يريد أنهم يقطعون عليه وقته عن الخير ،وكلاماً أيضاً للشيخ أبي الفرج بن الجوزي في سياق الخبر عن نفسه بحفظه الوقت،وأنه رأى مما لابد منه أن ينتابه أناس للزيارة،وأنه لما رأى أن هذه الحال تقطع عليه وقته أعد للوقت الذي يجتمعون فيه إليه أشياء من أمور الخير لا تمنع من زيارتهم ، ولا تقطع عليه وقته ، مثل تقطيع الأوراق ، وصنع المداد ، وبري الأقلام التي لابد له منها لتصنيف العلوم النافعة ، وهي لا تمنع الحديث مع الناس والاستئناس بهم . 
فقلت : سبحان مَن مَنَّ على هؤلاء السادة بحفظ أوقاتهم ، وبقوة العزيمة والنشاط على الخير، ولكن كل كمال يقبل التكميل والرقي إلى حالة أرفع منه؛ فلو أن هؤلاء الأجلاء الفضلاء جعلوا اجتماعهم مع الناس للزيارة والدعوات وغيرها من المجالس العادية فرصة يغتنمون فيها إرشاد من اجتمع بهم إلى الخير والبحث في العلوم النافعة ، والأخلاق الجميلة ، والتذكر لآلاء الله ونعمه ، ونحو ذلك من المواضيع المناسبة لذلك الوقت ، ولذلك الاجتماع؛ بحسب أحوال الناس وطبقاتهم ، وأنهم وطَّنُوا أنفسهم لهذا الأمر، وتوسلوا بالعادات إلى العبادات ، وبرغبتهم إلى الاجتماع بهم إلى انتهاز الفرصة في إرشادهم ، لحصلوا بذلك خيراً كثيراً ، وربما زادتهم هذه الاجتماعات مقامات عالية ، وأحوالاً سامية مع ما في ذلك من النفع العظيم للعباد ؛ لأنه ليس من شروط نفع العالم أن يرشد فقط المستعدِّين لطلب العلم من المتعلمين ، بل يكون مستعداً لإرشاد الخلق أجمعين بحسب أحوالهم واستعدادهم ، وعلمهم وجهلهم ، وإقبالهم وإعراضهم ، وأن يعامل كل حالة بما يليق بها من الدعوة إلى الخير والتسبب لفعله ، وتعطيل الشر وتقليله ، وأن يستعين الله على ذلك. فمن كانت هذه حاله ، لم يتبرم باجتماعه بالخلق مهما كان حريصاً على حفظ وقته ؛ لأن التبرم والتثاقل إنما هو للحالة التي يراها العبد ضرراً عليه ، ومفوتة لمصالحه ، والله الموفق وحده لا شريك له )))اهـ. 

من الفتاوى السعدية ضمن مجموع مؤلفات الشيخ عبدالرحمن السعدي 24 / 38 - 39 

آفات طالب الحديث

تعليق نفيس من الإمام الحافظ الذهبي حول ما يعرض لطالب الحديث من الآفات والأغراض النفسانية 

قال الحافظ الذهبي أيضًا، في ترجمة الإمام سفيان الثوري من كتابه " تذكرة الحفاظ " [ 1/ 204، 205 ] مُعَلِّقًا على قوله - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -:«ليس طلب الحديث من عُدَّةِ الموت لكنه علة يتشاغل بها الرجل»،ما نصه:
( قلت: صدق والله؛ إن طلب الحديث شيء غير الحديث، فطلب الحديث اسم عُرْفِيٌّ لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث، وكثير منها مَرَاقٍ إلى العلم وأكثرها أمور يُشْغَفُ بها المحدث من تحصيل النسخ المليحة، وتطلب العالي، وتكثير الشيوخ، والفرح بالألقاب والثناء وتمني العمر الطويل ليروي، وحب التفرد، إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية، لا الأعمال الربانية.

فإذا كان طلبك الحديث النبوي محفوفًا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟!، وإذا كان علم الآثار مدخولاً فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان، وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن والله من علم الصحابة ولا التابعين ولا من علم الأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وابن أبي ذئب، وشعبة ولا وَاللهِ عرفها ابن المبارك، ولا أبو يوسف القائل: " مَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالكَلاَمِ تَزَنْدَقَ "، ولا وكيع، ولا بن مهدي، ولا ابن وهب، ولا الشافعي، ولا عفان، ولا أبو عبيد، ولا ابن المديني، وأحمد، وأبو ثور، والمزني، والبخاري، والأثرم، ومسلم، والنسائي، وابن خزيمة، وابن سريج، وابن المنذر، وأمثالهم، بل كانت علومهم القرآن، والحديث والفقه والنحو وشبه ذلك..
وقال سفيان أيضًا فيما سمعه منه الفريابي: " مَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْحَدِيثِ إِذَا صَحَّتِ النِيَّةُ فِيهِ "). انتهى

الأربعاء، 5 فبراير 2014

تنبيه حول معرفة مذهب الإمام أحمد


تنبيه مهم لمن أراد أن يعرف قول الإمام أحمد ومذهبه


قال الإمام الخلاَّل رحمه الله تعالى في كتابه :" أحكام أهل الملل من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل ". ما نصه :(ص133-132):
" وأبو عبد الله - أي الإمام أحمد رحمه الله تعالى - يحتاج من يقلد مذهبه أن يعرفه من رواية جماعة، لأنَّه ربما روى عنه المسألة الواحدة جماعة حتى يصحح قوله بها العشرة ونحوه ، لأنَّه ربما يُسأل عن المسألة ، فيقول : لا أدري ، وإنَّما يعني لا أدري ما اختار ، ويُسأل عن تلك بعينها فيجيب بالاختلاف لمن قال : لا ونعم ، ولا ينقد قول .
ويُسأل عن تلك المسألة أيضاً في وقت آخر ، فيحتج لمن قال : لا ، ولا ينقد له قول .
ويُسأل عن تلك المسألة أيضاً فيحتج للجميع ويعلق مذهبه .
ويُسأل عن تلك المسألة أيضاً وقت فيجيب بمذهبه من غير احتجاج للمسألة إذا كان قد بُين له الأمر .
وكان يُسأل عن تلك المسألة أيضاً أو يحتج عليه ، ويُسأل عن مذهبه وعن الشيء ذهب إليه فيجيبهم فيه على مذهبه في تلك المسألة ي ذلك الوقت .
وفي مسائله رحمه الله تعالى يحتاج الرجلُ أن يتفهمها ولا يعجل ، وأمَّا هو فقد قال : ربما بقيتُ في المسألة ذكر بعضهم عشرين سنة ، يعني حتى يصحح ما يختار فيها ، وذكر بعضهم عنه العشر سنين إلى الثلاث سنين.
وإنَّما بينتُ هذا كله في هذا الموضع ، أعني لمن يقلد من مذهب أبي عبد الله شيئاً أن لا يعجل ، وأن يتثبت ، نفعنا الله وإيّاكم ونسأله التوفيق فإنَّه لطيف .
فقد كان أبو عبد الله رجلاً لا يذهب إلاَّ في الكتاب والسنة ، وقول الصحابة والتابعين ، وكان يحب السلامة والتثبت مما يقول ويدفع الجواب ، فإذا أجاب لم يجب إلاَّ بما قد صحَّ عنده ". انتهى كلام الخلال رحمه الله تعالى.

التعريف بكتاب عن الشيخ مصطفى صبري

من فاته هذا الكتاب فاته شيء كثير ... ما أمتعه من كتاب وما أحزنه !!

للكاتب القدير: ماجد البلوشي - بارك الله فيه -

كتاب “الشيخ مصطفى صبري وموقفه من الفكر الوافد” للدكتور مفرح بن سليمان القوسي، صفحات من نور العزّة وقبس من ضياء اليقين، وزفرات من وجع العالِم المقهور، وأنّات من صدر الإنسان المكظوم، تقرؤه فتتفقد سريعاً قلبك وتبحث عن روحك ولا تكاد تجف دمعتك.

أقطع لك – أيها المُحب – أنها مادة دسمة صالحة للقراءة والتأمل والغوص في حياة رجل نذر نفسه ووقته لله، لك غنمها وعليَّ غرمها فلا يفوتنك الكتاب فإنه جهد سنوات طويلة من البحث للمؤلف الذي نال به درجة الماجستير.

من لم يقرأ هذا الكتاب الذي تنثال معلوماته كنهر سلس رقراق صافٍ يختال في مجراه المتحدّر بين خضرة وبساتين غناء وورود فوّاحة فقد فاته شيء كثير، لأن مؤلفه تعب فيه تعباً شديداً فجال معه لأقاصي البلاد طمعاً في توثيق معلومة أو جمع مادة أو تدوين كلمة عن الشيخ، فجمع سيرة هذا العالم الشامخ المجاهد من أفواه الرجال وبطون الكتب وأعمدة الصحافة، فجمع وأوعى.

كما أنه لخص فيه مواقفه من الفكر المعاصر في عدد من القضايا بطريقة جميلة بعيدة عن حشو المعرفة أو تطويل الكلام، وهو أفضل ما في الكتاب وأمتنه وأغزره فائدة.

الشيخ مصطفى صبري – الوالد الحنون والمناضل الشرس والعالم الربّانيُّ والكاتب الصحفيُّ المتمرّس والسياسي المحنك والمناظر البارع والعابد القانت لله – تلخص سيرته حال العالم العامل الطريد الشريد المؤثر للآخرة على الأولى، المُقبل على الحياة بصبر ومصابرة وروح شامخة ونفس عزيزة مثابرة، ما كأنه خُلق لشيء إلا للعلم والمعرفة وجهاد الكلمة ومنازلة الملاحدة والعلمانيين والتغريبيين والفت في عضد دعوتهم، وهذا من أشرف العلوم التي تحتاجها الأمة في كل عصر ومصر، فقد جمع المجد من أطرافه قياماً لله بالجهاد في سبيله بالعلم والحجة والبرهان وعملاً وسلوكاً وامتثالاً، لا كالكثير من علماء العصر ممن يأنسون بتقرير المسائل وإحكام فصولها ويركنون إلى الدعة ويؤثرون السلامة ولا تكاد تجدهم في ميادين الجهاد ومثافنة المنافقين والتصدي للأفكار الزائغة.

في الكتاب قصة سفره الأولى البائسة التعيسة إلى مصر، يالله ما أقساها من معاناة وأمضّها من محنة لرجل كان عمّا قريب شيخ الإسلام في تركيّا ومفتيها الأكبر وملء سمع الدنيا فيها وبصرها فما كان يُجالسه إلا السلاطين ولا يمشي إلا في المواكب، فقد خرج من تركيا بعد أن أطاح العلمانيّون بالحكومة العثمانية ففر الشيخ من تركيا تصحبه أسرته بعد أن أعلن في تركيّا أن هذه الحكومة الجديدة حكومة تُعلن الحرب على الدين وأنها حكومة علمانيّة ظالمة، فصدح بالحق وأعلن موقفه بشجاعة العلماء الربّانيين، وقد عانى الشيخ في هذه المدة معاناة شديدة نزل معها إلى حد الفاقة والفقر مما اضطره لبيع بعض كتبه حتى يحصل على قيمة سفره مع أسرته بالباخرة، فلم يجد له مكاناً تفي به نقوده إلا في الدرجة الثالثة.

وحين دخل مصر كان المصريّون معظّمين لأتاتورك وكانت سيرة الشيخ مصطفى فيهم غير حميدة لما يعلمونه من مناوأته لأتاتورك لهذا قاموا بإيذائه أذى شديداً، حتى إنهم كانوا يرمونه وأسرته في الطرقات في القاهرة والاسكندرية بالكساحة والطماطم الفاسد، بل بالغوا في إهانته وأذيّته ورميه بالعظائم والشنائع مما جعله يلزم بيته ولا يبرحه صابراً محتسباً، فتفكّر كيف يكون حال رجل من الصالحين معه أسرته وبناته يفرُّ بدينه من كيد أعدائه ليجد في صدور من نزل عليهم من إخوانه في الإسلام حنقاً وتغيّظاً وزفيراً.

ولم يدعه ذلك إلى الصمت والإعراض عن العلم ونشره التماساً للسلامة في الدنيا أو المجاملة للمصريين حتى لا ينفوه من الأرض أو يبعدوه من ديارهم، بل حين سأله بعض الصحفيين عن رأيه في أتاتورك انبرى مبيّناً حاله بضمير المؤمن المطمئن وحال العارف بالله الذي يبحث عن رضاه سبحانه في سكناته وعزماته وقوله وفعله وإن أغضب ذلك الناس عليه، ومما قاله في مقالته: “وإن كان أقوى ظنّي أن أكثر الناس لا يقبلونه (أي رأيه)، ولكن لكي يكون ذخيرة لي في الآخرة وحجة عليهم آخذهم بها هناك، وإن كان لساني قاصراً في العربية فليعذرني كرام القراء، على أنَّ لحن اللسان ليس كلحن القلب” وقد نُشرت المقالة في جريدتي (المقطم) و(الأهرام) فثارت عليه ثائرة المصريين ورموه عن قوس واحدة وهاجموه هجوماً عنيفاً.

غير أن حال المصريين هذه لم تدم، فقد عرفوا بعد مدة حقيقة أتاتورك وموقفه فعدلوا عن معاملتهم السيئة للشيخ حين عاد لمصر بعد سنوات عدة، فأجرى له الملك راتباً شهرياً واحتفوا به احتفاءً كبيراً وأصبحت داره العامرة والآهلة بالفضل والمعروف ملاذاً لعامّة علماء مصر ومثقفيها.

وفي الكتاب كذلك قصة إخراجه من اليونان إلى منطقة أخرى وتغرّبه بين الأمصار والأقطار ومعه أسرته وبناته شيخاً ينوء بحمل السنين الثقال على ظهره المُثقل بشجون الدنيا وهموم العلم وأثقال العيال وأعباء قوتهم، وفيها استقبال رجال الدين النصارى له من البطارقة والرهبان والقساوسة فانحنوا اجلالاً له وتقديراً لعلمه وبالغوا في تعظيمه إلى حد بعيد وهو ما لم يجد عشر معشاره عند علماء البلاد الإسلامية التي قصدها وزارها وهي كثيرة، ثم إن الشيخ آلمه حاله ثمَّ إذ كيف يبقى في بلاد كلّها نصارى ويخشى إذا مات أن لا يُشيّعه إلا النصارى وأن لا يُدفن إلا في مقابرهم مع أنه كان معظّماً فيهم موقراً بينهم لكنّها روح المؤمن التوّاقة إلى إخوانها من الأبرار الأتقياء الأنقياء، فطلب الوساطة لدى عدد كبير من أصحابه لينتقل إلى دولة مسلمة يأوي إليها فاراً بدينه فلم يجد من يقبل به أو يدخل في أمره، خوفاً من نقمة مصطفى كمال أتاتورك وحكومته، فرجع كظيماً آسفاً قد فتَّ الحُزن في فؤاده وشتّت شمل تفكيره.

ألا ما أشد غربة العلماء وأقسى محنتهم!

مما استوقفني في الكتاب ثناؤه على عدد من الأدباء فقد كان الشيخ مصطفى قارئاً نهماً يقضي جل وقته في القراءة والبحث والنظر، وكان يطربه أسلوب العقاد ويقول عنه: ما أقدَرَ هذا القلم! فهو قوي الحجة.

ويقرأ أيضاً بطرب للرافعي ويقول عنه: ما رأيت أديباً ينقل الإنسان من عالم إلى عالم آخر مثل مصطفى صادق الرافعي، وكان يقول عنه: إنه لا يسمع ضجيج الدنيا (كان الرافعي مصاباً بالصمم) بل كان يسمع إلهام قلبه ووحي ضميره ونداء إيمانه.

وفي الكتاب كذلك تفرّسه في سيّد قطب وإعجابه به ودعاؤه له بالثبات والهداية، وكيف أن أدب سيد وأسلوبه نفعاه فجعلا له جاذبيّة وروحانيّة وقبولاً.

وهذا يعني أنَّ الشيخ كان مواكباً لثقافة أهل عصره، مطلعاً عليها، مع أن جملة من هؤلاء في سن أبنائه ومقام طلابه، لكنها روح العالم المربّي، وجذوة الهمّة الباعثة على النشاط المعرفي والتزوّد من العلم حتى لو كان من صغار النّاس وحدثائهم في المعرفة.

وفيه قصة لطيفة عن كتاب دفعه إليه أحد العلماء وقد طلب من الشيخ قراءته ونقده لما فيه من الأمور المنحرفة فلم يجد الشيخ وقتاً إلا حين سجنته الحكومة في بوخارست برومانيا فأخذ الكتاب معه في السجن وقرأه وكتب عليه نقداً ورداً، وكان يخبئ أوراق الرد في إبريق حديدي صنعه له أحد الحدادين خصيصاً من أجل إخفاء أوراق الكتاب فيه، فلم خرج فتح الإبريق وأخرج الأوراق وطبع الكتاب.

تصفه ابنته بأنه كان يبكي كالطفل حين تمر به آية وعيد أو تحذير من النار وسعيرها أو تذكير بالجنة ونعيمها حتى إن أهل بيته كانوا يستيقظون أحياناً على صوت بكائه في منتصف الليل.

تضمن الكتاب كذلك عرضاً لمؤلفات الشيخ وردوده، ومما تعرض له الباحث موقف الشيخ من الملاحدة ونقض حججهم وشبههم لاسيما في باب النبّوات، و موقفه كذلك من التغريبيين لاسيما في قضايا المرأة وحجابها والرد أيضاً على شبهات قاسم أمين ودعوته لتحرير المرأة، وأيضاً عرض لموقف الشيخ من العلمانيين ورده على كتاب “الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبدالرازق وفيه كلام عن التشريع والحاكمية ورد شبه دعاة القوانين الوضعية

بقي أخيراً أن تعلموا أن الشيخ عاش فقيراً ومات فقيراً لم يعرف طريقاً إلى القصور ولا رغب في تكديس الأموال، لكنه ترك تراثاً علمياً ثريّاً غنيّاً بالعلم والحجج وكسر شبه الملاحدة والعلمانيين وجهداً دعوياً قل أن يتكرر نظيره في هذه الأزمنة المتأخرة، فهو رجل عاش لله ولدينه وقضى أغلب حياته يذب عن الشريعة ويقف في وجه أعداء الدين ويجالدهم بصبر وعلم وعزة وشموخ.

الكتاب قطعة مؤتلفة نديّة من اللذة المعرفيّة الغامرة، بدأت القراءة فيه فما تركته حتى أنهيته في يومين متواصلين متفرغاً له علماً بأنه يزيد على 700 صفحة لكنها صفحات ممتعة عذبة، وفيها فصول تراجيديّة بائسة تعيسة تقطع نياط القلب حزناً وكمداً وتستدر الدمع ويستعبر معها المرء، تلخّص حال الحياة بحلوها ومرّها وصفوها وكدرها، غير أن هذه الثنائيات المزدوجة المتضادة لم تغيّر لون الشيخ أو نكهته المعرفيّة وطبعه السلوكي، فقد بقي هو هو الرجلَ المجاهد المناضل الصابر المحتسب، سواءً كانت الدنيا مقبلة أو مدبرة.
سلاح العلماء

( سلاح العالِم علمه ولسانه ، كما أن سلاح الملك سيفه وسنانه ، فكما لايجوز للملوك إغماد أسلحتهم عن الملحدين والمشركين لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين؛ فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرسه الله بعينه التي لاتنام ويُعِزّه بِعِزِّه الذي لايضام ويحوطه بركنه الذي لايرام ويحفظه من جميع الأنام {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } ...)

[العز بن عبدالسلام - طبقات الشافعية لابن السبكي ٨ / ٢٢٧ ] 

الثلاثاء، 4 فبراير 2014

اقرأ باسم ربك

    زاد العقول والأرواح ( 5 )

"اقرأ باسم ربك"


هذا أول أمر نزل في القرآن الكريم، وكلمة "اقرأ" هي أول كلمة بلغها جبريل الأمين إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن ابتداء الوحي بهذه الكلمة له دلالة عظيمة على أهمية مدلول هذا الفعل: "اقرأ".
 إن في القرآن مئاتٍ من الأوامر: أقم الصلاة.. آتوا الزكاة.. وجاهدوا في سبيل الله.. وأْمر بالمعروف.. انه عن المنكر..  اصبر على ما أصابك..  أنفقوا مما رزقناكم..  توبوا إلى الله... وغيرها الكثير في القرآن الكريم..   ومن بين كل هذه الأوامر..  نزل الأمر الأول: اقرأ..
ولم يتوقف الأمر عند حدود الكلمة الأولى.. بل إن الآيات الخمس الأولى من القرآن الكريم تتكلم كلها عن موضوع القراءة، وتكررت فيها كلمة "اقرأ" مرتين...
"اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق"... وبعد ذلك: "اقرأ وربك الأكرم".. ثم يقول: "الذي علم بالقلم".. وذكرُ القلم بالتحديد يؤكد الارتباط بين القراءة والكتابة، وأن المقصود هو القراءة للشيء المكتوب بالقلم.

وفي قول الله تعالى : (( اقرأ وربك الأكرم )) إشارة إلى أن القراء هم من سينالون كرم الله عز وجل في الدنيا، وهم من سيعلوا شأنهم ويمكنون في الأرض.

أفيقبل بعد هذا أن يوجد كثيرون من أمة "اقرأ" لا يقرأون؟!
أيجدر بمسلم بعد هذا الأمر الرباني الصريح أن يتكاسل عن قراءة ما ينفعه؟!

إن حياة المسلم ابتداءً من سن التكليف وانتهاءً بيوم البعث والنشور تقع بين أمرين بالقراءة : 
الأمر الأول: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
الأمر الثاني قول الله تعالى في سورة الإسراء عن يوم الحساب : ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .

فكيف هي القراءة في حياة أمة اقرأ؟!

وأخيرًا؛ ليُعلم أن القراءة هي غذاء العقل ، ومصدر الثقافة الأول..
وهي من أهم سبل الارتقاء والعلم...
وكفى بالمرء نقصًا وعيبًا أن يكون مقصرًا في قراءة القرآن بانتظام..، وكفى به جهلاً وتخلفًا عندما لا يقرأ ما ينفعه، ولا يجعل القراءة منهج حياة له.

تنبيه لا بد منه: القراءة وحدها قد تخرج بها مثقفا، ولكنك لا يمكن أن تكون عالما حتى تجمع بينها وبين أخذ العلم من أهله، وهم العلماء.

وقد أورد الشاطبي في الموافقات قول من قال: "إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال"، ثم علّق عليه بقوله:
"وهذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال...، وأصل هذا في الصحيح: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء..." الحديث، فإذا كان كذلك؛ فالرجال هم مفاتحه بلا شك."
النجاح الحقيقي للمربي

في صحيح البخاري أن المسلمين بينا هم في الفجر يوم الإثنين- وهو اليوم الذي توفي فيه عليه الصلاة والسلام -، وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم، ففجأهم النبي صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها، فنظر إليهم وهم صفوف، فتبسم يضحك..."

تبسم يضحك لمّا رآهم وهم يؤدون أفضل عمل يصلهم بربهم جلّ وعلا؛ وهذا برهان واضح لنجاحه صلى الله عليه وسلم في مهمته.

قد ينجح المربي في بناء المتربي علمياً وثقافيا ومهاريا، وقد يوصله إلى مستوى رفيع ومنزلة عالية في الدنيا...
ولكن لا يمكن أن ينجح النجاح الحقيقي كمربي حتى يقوي صلة المتربي بالله تعالى، ويوصله إلى مرضاته جل وعلا.
وهذا مدلول: "إلى الله" في قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله)
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله).
( وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار).

فأيها المربون!
جاهدوا في الله، وتوكلوا على الله، واعتصموا بالله؛ لتوثقوا صلة من تحت أيديكم بالله.
والله مولاكم، وحسيبكم: (فنعم المولى ونعم النصير).
زاد العقول والأرواح (4 ):

{فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين}

مع أن هذه الآية من أشد الآيات تخويفا لمن تدبرها، إلا أن من أهم ما لفت انتباهي وأثار دهشتي فيها= ما ختمت به من التوجيه الصريح والتوكيد الواضح، وذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو والصفح عن قوم بلغوا هذا المبلغ من السوء والخيانة، وبيان أن ذلك من الإحسان والله يحب المحسنين.
ولا أريد أن أتعرض هنا لما قيل في هذا التوجيه، وهل هو محكم أو منسوخ؟.
وإنما المقصود هو فقه هذا التوجيه الكريم، والتنبيه على أن ما تضمنه من الأمر بالعفو والصفح عن هؤلاء الذين ذمّهم الله ووصفهم بأقبح الصفات من القسوة والتحريف والخيانة= هو الذي لا يسع من أراد الاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلا الامتثال له والحرص على تربية النفس على التخلق به، ولو كان ذلك شديدا على النفس البشرية.

وأولى الناس بامتثال هذا التوجيه هم الدعاة وحملة العلم وأهل الجهاد؛ فإن من لم ينتصر على نفسه ليس أهلا للنصر ولا للتمكين.
ومن أشغل نفسه بطلب ما يدّعي أنه حق لها من الانتصار والانتقام ممن أساء إليه فلا يستحق أن يكون إماما للمتقين ولا وليا من أولياء الله الصالحين.

فانتبهوا لذلك أيها المصلحون، واعلموا أن طريق النصر والتمكين يبدأ من التخلق بهذا الخلق العظيم. 
وتأملوا ما قاله الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية؛ قال:
( {فاعف عنهم واصفح} وهذا هو عين النصر والظفر ، كما قال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه .
وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ، ولعل الله أن يهديهم ; ولهذا قال تعالى: {إن الله يحب المحسنين } يعني به : الصفح عمن أساء إليك .).

"هذا هو عين النصر والظفر" وصدق رحمه الله.

ومن أراد معرفة العلاقة الوثيقة بين العفو والإحسان وبين النصر والتمكين؛ فليقرأ سورة يوسف، وليتدبر ما الصفات التي أهلت يوسف عليه السلام لبلوغ مرتبة التمكين الكامل في الأرض.

ويا لروعة هذه الكلمة النبوية:
"وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا".

اللهم أعزنا بطاعتك وامتثال أمرك يا عزيز يا كريم.

نوع التعليق المطلوب

Disqus إدخال إسم المستخدم