زاد العقول والأرواح ( 10):
{ فاستقم كما أمرت }
في ظل المحن والشدائد، وعند تسلط الأعداء وتكالبهم، وتحت قهر الظلمة وطغيانهم تظهر الحاجة إلى هذا التوجيه الكريم الثقيل.
إنه أمر صريح بلزوم طريق واحد ومسار محدد، لا مجال للخروج عنه، ولا للتهاون في الاستمرار عليه.
وإن من يمر بالأزمات والمحن ممن ينشد الإصلاح ينقسمون في الغالب إلى الأقسام التالية:
الأول: يفقد الأمل ويترك العمل
الثاني: يتهور ويتعجل ويلجأ إلى العنف والتصرفات غير المحسوبة.
الثالث: يركن للقوي الظالم ويميل إليه ويتعايش معه.
ولكن المسلك الصحيح الوحيد هو ما بيّنه العليم الحكيم في قوله: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}.
فقد تضمن هذا التوجيه أمرًا ونهيين:
أما الأمر فهو : {فاستقم كما أمرت} أي: استمر على العمل الدعوة والإصلاح.
والاستقامة - كما قال القرطبي- هي الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال.
( وما أعظم موقع هذه الآية وأشدّ أمرها، فإن الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة، والذوات المقدسة.) كما قال الشوكاني.
ثم جاء النهي الأول، وهو: { ولا تطغوا } أي: إياكم والتهور والطغيان وتجاوز حد الاستقامة المأمور بها.
ثم جاء النهي الثاني: { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } أي: لا تميلوا إليهم بمودة ولا ترضوا أعمالهم ولا تداهنوهم.
فطريق الاستقامة التي أمر الله بها بين "لاءين"، لا "لا تطغوا" ولا "لا تركنوا".
ولا تتحقق هذه الاستقامة إلا بالعلم بأمر الله وشرعه "كما أمرت".
ولا تنتظم إلا بوجود القائد القدوة الذي يطمئن الأتباع إليه، كما يشير إليه توجيه الأمر "فاستقم" بالإفراد، وذكر المعية في قوله: "ومن تاب معك".
وأهمُّ ما يضمن الثبات عليها، ويعين على تحمل أعبائها أمران :
الأول: إقامة الصلاة والمحافظة على أوقاتها.
والثاني: الصبر.
وهذا ما أفاده قول الله تعالى بعد الآيتين السابقتين: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ . وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
اللهم وفقنا للاستقامة على دينك كما تحب يا ربنا وترضى.
دعوة للتأمل: تضمنت الآيات الأربع السابقة ثلاثة أوامر، ونهيين.
فالأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت عامة في المعنى "فاستقم"، "وأقم الصلاة"، "واصبر".
والنهيان جاءا بصيغة الجمع: "ولا تطغوا"، "ولا تركنوا إلى الذين طلموا".
فهل لذلك من دلالة؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق