زاد العقول والأرواح ( 3 )
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه." [ أخرجه مسلم ١٩٠٩].
الله أكبر
ما أحسن الصدق مع الله!
وما أعظم الدعاء عند الله!
يقرر هذا الحديث حقيقة كبرى، وهي أن العبرة بما في القلوب من الصدق والعزيمة والإرادة؛ فمن كان صادقا في طلب الشيء مريدا له بحق راغبا فيه تحقق له مراده وبلّغه الله ما يطلبه.
وجميلٌ ما قاله ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين : ( اعْلَم أَن النِّيَّة قطب الْعَمَل عَلَيْهَا يَدُور، وَقد يُفِيد مُجَرّد النِّيَّة من غير عمل، وَلَا يُفِيد عمل من غير نِيَّة. وَمن صدقت نِيَّته فِي طلب الشَّهَادَة فَكَأَنَّهُ استسلم للْقَتْل، فَلَا يضرّهُ بعد بدنه عَن الْجِهَاد لعذر مَعَ صدق نِيَّته، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} [النِّسَاء: ١٠٠] وَكَذَلِكَ من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا، وَكَذَلِكَ لَو نوى قيام اللَّيْل فغلبه النعاس كتب لَهُ ثَوَاب نِيَّته.)
فالمطلوب منا ابتداء في كل أمر أن نكون صادقين في طلبه جادين في بذل الأسباب التي توصل إليه؛ فإذا فعلنا وصلنا، ولو لم نصل فزنا بالأجر والثواب كاملا.
ومما يدل على صدق المرء في طلب الشيء كثرةُ دعائه الله وكثرة تحديث نفسه به.
وهذه علامة تُعرِّف العبد باهتماماته وأولوياته في الحياة؛ فمن اهتم بأمر ورغب فيه فلا بد أن يسأل ربه أن يحققه له.
فقل لي ماذا تكثر من سؤاله في دعائك أقل لك ما اهتماماتك وما أولوياتك في حياتك.
فمن زعم أن يهتم بأمر المسلمين وهو لا يدعو لهم؛ فليس بصادق في زعمه.
ومن ادعى أن همّه الآخرة وسعيه لها، وهو لا يكثر في دعائه من طلب النجاة فيها من العذاب والفوز بالجنة؛ فلا تقبل دعواه.
ومن قال إنه حريص على الهداية والاستقامة وهو لا يسأل ربه بصدق أن يهديه وأن يوفقه للاستقامة على دينه؛ فلا مجال لتصديقه.
وهكذا في كل الأمور.
وما أجمل قول شيخ الإسلام في الرسالة الواسطية: "ومن تدبر القرآن طالباً للهدى تبين له طريق الحق".