زاد العقول والأرواح ( 11 )
{ فبذلك فليفرحوا }
علامة فارقة واضحة بين المؤمن الصادق ومريض القلب الغافل:
المؤمن تسره حسنته ويفرح بما يقربه إلى ربه، وتحزنه سيئته، ويغتمّ إذا قصّر في حقّ ربه جلّ وعلا.
وغيره لا يبالي إذا وقع التقصير، ولا يحزن إذا أساء وفعل المعصية.
ثبت في الحديث: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ".
قال الإمام الكبير ابن عبدالبر الأندلسي: ( فليت شعري من قال لأخيه يا كافر وهو ممن تسره حسنته وتسؤه سيئته؛ لأي شيء تكون الشهادة عليه بالكفر أولى من الشهادة له بالإيمان؟!.)
قال عبد الله بن المبارك: "من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصيراً، ثم لا يبالي ولا يحزن عليه".
وليتأمل اللبيب العاقل هذا القول الذي ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب ذمّ الدنيا ١ / ١٤٠ :
( قال محمد بن سوقة: أمران لو لم نُعذب إلا بهما كنا مستحقين بهما لعذاب الله:
أحدنا يُزاد الشيء من الدنيا فيفرح فرحا ما علم الله أنه فرحه بشيء زاده قط في دينه.
وينقص الشيء من الدنيا فيحزن عليه حزنا ما علم الله أنه حزنه على شيء نقصه قط في دينه.)
وأختم بكلام جميل ذكره الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين:
( فإن من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهانى والبشائر من كل جانب؛ فإنه لا حزن مع الله أبدا.
ولهذا قال تعالى حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال لصاحبه أبى بكر: {لا تحزن إن الله معنا}، فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له وللحزن؟ وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أى شيء يحزن؟ ومن فاته الله فبأى شيء يفرح؟.
قال تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه.
فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به: من حبيب أو حياة، أو مال، أو نعمة، أو ملك. يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها فى قلبه ومضرتها فى وجهه، فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقاهم الله نضرة وسرورا.
فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون، فهذا هو العلم الذى شمر إليه أولو الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم.
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ). انتهى